والأناجيل التي تعيش اليوم وكانت تعيش بالأمس في ذلك الحين هي كتب ألّفها طلّاب السيّد المسيح على أفضل التقادير[1].
فالرسالة المتمثّلة في الكتاب السماوي قد انطفأت، والحواريّون كانوا من حيث القلّة والتشتّت والاضطراب الذهني ما يجعلهم غير قادرين على حماية التراث الباقي في أذهانهم من السيّد المسيح؛ بدليل مراجعة هذه الأناجيل التي كتبوها؛ فإنّ هذه الأناجيل لا تحمل في الحقيقة إلّا سيرة السيّد المسيح، هذه الأناجيل أكثر من تسعين بالمئة منها هي سيرة السيّد المسيح مع إبراز الجانب الغيبي والمعاجزي من هذه السيرة في تسعين بالمئة من هذه السيرة.
إذاً: لم يبقَ من السيّد المسيح بعد انتهاء دوره على المسرح حصيلةٌ مضيئةٌ يمكن أن يقام على أساسها- في المدى الطويل وعلى الخطّ الطويل- العملُ النبوي؛ إذ لم تبقَ إلّا فكرة غائمة غامضة عن إنسانٍ جاء ليصلح، وقال وعلّم، ثمّ انتهى. أمّا أنّه: ماذا قال؟ وكيف انتهى؟ وماذا خلّف؟ وما هي شريعته؟ كلّ هذا بقي غائماً غامضاً.
وبهذا مُلئ بالتدريج بأيدٍ بشريّة، بالأيدي البشريّة- التي تزعّمت بعد هذا المسيحيّةَ- مُلِئت هذه الفراغات الكبيرة التي تركها السيّد المسيح، خاصّةً بعد أن أصبحت المسيحيّة رومانيّةً، ودخلت الإمبراطوريّةُ الرومانيّة في الديانة المسيحيّة رسميّاً أوّلًا، وشعبيّاً ثانياً[2].
في مثل هذه الحالة أصبحت هذه الفراغات تُملأ بأيدٍ بشرية: أدركت بأن
[1] راجع حول مصادر الأناجيل الأربعة- برواية: مَتّى، مَرقُس، لوقا ويوحنّا- وتاريخها: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم .. دراسة الكتب المقدّسة في ضوء المعارف الحديثة 77- 106؛ تحريف رسالة المسيح( عليه السلام) عبر التاريخ .. أسبابه ونتائجه: 213- 293.
[2] راجع حول توحّد الإمبراطوريّة الرومانيّة تحت سلطة قسطنطين سنة 324 م وتنصّره: تاريخ الحضارات العام 2( روما وإمبراطوريّتها): 562.