في مثل هذه الحالة لا يمكن أن تواصل هذه الدفعة الإلهيّة- المتمثّلة في تلك النبوّة- عملَها؛ لأنّ الدفعة الإلهيّة لا يمكن أن تواصل عملها بدون مصباحٍ منير، بدون كتابٍ منيرٍ على ما يصطلح عليه القرآن الكريم[1]، وهذا الكتاب المنير عبارة عن ذاك التراث الفكري والمفاهيمي الذي يمثّل القاعدة للعمل النبوي، ويمثّل الإطار للحياة التي يقدّمها النبي ويدعو إليها؛ فإذا ماتت تلك القاعدة وذلك الإطار باضمحلال ذلك التراث، وبقيت النبوّة مجرّدَ مسألةٍ تاريخيّةٍ لا يوجد لها (ما بإزاء) على ما يقول المناطقة- يعني: لا يوجد بالفعل في حياة الناس ما يجسّد مفهوم تلك النبوّة ومنظار تلك النبوّة إلى الحياة-، ففي مثل ذلك لا بدّ من دفعةٍ جديدةٍ لكي يُستَأنف العمل، ويُستَأنف الشوط في سبيل إعادة البشريّة إلى ربّها، وإقامة دعائم العدل والحقّ والتوحيد على وجه الأرض.
وأيضاً هذا السبب سببٌ نجده- إلى درجة كبيرةٍ- في المسيحيّة بالذات أيضاً: المسيحيّة بعد أن غادر السيّد المسيح (عليه السلام) مسرح الدعوة والعمل لم يبقَ [منها] شيءٌ حقيقي يمكن أن يُقام على أساسه العمل النبوي.
الإنجيل الذي يُحدّث عنه القرآن[2] فُقِد[3] نهائيّاً؛ لأنّ الإنجيل الذي يحدّث عنه القرآن الكريم كتاب انزل على السيّد المسيح، لا كتاب الّف من قبل طلّاب السيّد المسيح.
[1] كقوله تعالى: جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ آل عمران: 184، وقوله تعالى: جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ بِالزُّبُرِ وَ بِالْكِتابِ الْمُنِيرِ فاطر: 25، وقوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ الحج: 8، لقمان: 20.
[2] في قوله تعالى: وَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ آتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَ نُورٌ وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ المائدة: 46.
[3] صوت الشهيد الصدر( قدّس سرّه) هنا مشوّش، ولعلّه:« سقط»، وفي( غ):« نفد»، ولكنّه ليس كذلك حتماً، وما أثبتناه من( ف)، وهو ساقطٌ من( و).