في المسيحيّة فكرةُ الرهبنة، هذا التركيز كان علاجاً لمرضٍ عاشه شعب بني إسرائيل حينما ظهرت المسيحيّة في ذلك الوقت.
هذا المرض، هذا الانغماس المطلق في الدنيا وفي علائق الدنيا، هذه الحالة النفسيّة التي كانت تجعل الإنسان اليهودي مشدوداً إلى درهمه وديناره ويومه وغده … هذه الحالة كانت بحاجةٍ إلى وصفةٍ تحاول أن تنتشل هذا الإنسان اليهودي من ضرورات يومه وغده، وتذكّره بأمسه وربّه.
ولهذا كان في هذه المسيحيّة هذا النوعُ من الإفراط المناسب مع حالةٍ موضعيّةٍ زمانيّة معيّنة في التاريخ الطويل للإنسان.
أمّا هذا النوع من الإفراط حينما يؤخذ كخطٍّ عامٍّ للإنسان، يعتبر شذوذاً وانحرافاً؛ لأنّه دواءٌ للمريض، وليس طعاماً للصحيح.
فمن هذه الأسباب التي تجعل التغيير في النبوّة أمراً معقولًا هو: أنّ النبوّة تستنفد أغراضها وتستوفي أهدافها؛ باعتبارها رسالةً صمّمت لعلاج حالةٍ طارئةٍ، وقد استُنفِدَت أغراض العلاج.
السبب الثاني: انقطاع تراث النبوّة:
من جملة الأسباب المعقولة لتغيير النبوّة: هو أن لا يبقى منها تراثٌ يمكن أن يقام على أساسه العملُ والبناء.
إذا افترضنا أنّ نبوّةً جاءت ومارست دورها في قيادة البشريّة وهدايتها ووصلها بربّها وتطهيرها من شوائبها، إلّا أنّ هذه النبوّة بعد أن مات شخص النبي تولّدت ظروفُ انحرافٍ أكلت كلَّ ذلك التراث الروحي والمفاهيمي الذي خلّفه ذلك النبي الذي قاد تلك المعركة، بقيت النبوّة مجرّد مسألةٍ تاريخيّة وشعارٍ غامضٍ غائمٍ باهت، دون أن يكون معبّراً عن أيّ كيانٍ فكريٍّ مفاهيميٍّ محدّدٍ في أذهان القاعدة الشعبيّة المرتبطة بتلك النبوّة.