منفتحٌ لمحمّد (صلّى الله عليه وآله)، وأنّ عواطفه ومشاعره كلّها متأجّجة بنور رسالة هذا النبيّ العظيم، في تلك اللحظات يغتنم تلك الفرصة ليختزن، وأنا اؤمن بعمليّة الاختزان، يعني اؤمن بأنّ الإنسان في هذه اللحظة إذا استوعب أفكاره وأكّد على مضمونٍ معيّنٍ وخَزَنه في نفسه، سوف يفتح له هذا الاختزان في لحظات الضعف بعد هذا، حينما تفارقه هذه الجلوة العظيمة، حينما يعود إلى حياته الاعتياديّة، سوف يتعمّق بالتدريج هذا الرصيد، هذه البذرة التي وضعها في لحظة الجلوة، في لحظة الانفتاح المطلق على أشرف رسالات السماء، تلك البذرة سوف تشفعه[1]، سوف تقول له في تلك اللحظة: إيّاك من الانحراف، إيّاك من المعصية، إيّاك من أن تنحرف قيد أنملةٍ عن خطّ محمّدٍ (صلّى الله عليه وآله).
كلّما يربط الإنسان نفسه في لحظات الجلوة، في لحظات الانفتاح، إذا ربط نفسه بقيود محمّدٍ (صلّى الله عليه وآله)، إذا استطاع في لحظةٍ من اللحظات- من هذه اللحظات- أن يعاهد نبيَّه العظيم على أن لا ينحرف عن رسالته، على أن لا يتململ عن خطّه، على أن يعيشه ويعيش أهدافه ورسالته وأحكامه، حينئذٍ، بعد هذا، حينما تفارقه هذه الجلوة- وكثيراً ما تفارقه- إذا أراد أن ينحرف يتذكّر عهده، يتذكّر صلته بالنبي [ (صلّى الله عليه وآله)]، تصبح العلاقة حينئذٍ ليست مجرّد عقل، مجرّدَ نظريّةٍ عقليّة، بل هناك اتّفاق، هناك معاهدة، هناك بيعةٌ أعطاها لهذا النبي في لحظة حسّ، في لحظةٍ قريبةٍ من الحسّ، كان كأنّه يرى النبيَّ أمامه فبايعه.
لو أنّ أيَّ واحدٍ منّا رأى النبي [ (صلّى الله عليه وآله)]، استطاع أن يرى النبي [ (صلّى الله عليه وآله)] بامّ عينيه، أو رأى صاحب الأمر (عليه الصلاة والسلام) .. تصوّروا أنّ أيّ واحدٍ منّا لو اتيح له هذا الشرف العظيم ورأى إمامَه، إمامَ زمانه، رأى قائده بامّ عينيه، وعاهده وجها
[1] في( غ) و( ف):« تشعره» بدل« تشفعه»، وما أثبتناه هو الذي يبدو من المحاضرة الصوتيّة.