كانت تشكّ، كانت قد فقدت ثقتها وإيمانها واعتقادها برساليّة الاطروحة، بموضوعيّة الاطروحة، بإلهيّة دوافع هذه الاطروحة، كانت قد فقدت هذا الإيمان حينما اصطدم الحسن مع معاوية بن أبي سفيان.
وفي مثل هذا الحال لو خرّ الإمام الحسن صريعاً، لو واصل الإمام الحسن الحرب حتّى يخرَّ صريعاً لمَا حقّق شيئاً من المكاسب العظيمة التي حقّقها الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)؛ لأنّه حينما يخرّ صريعاً في الميدان والامّة تشكّ في دوافعه، تشكّ في نظافة رسالته، تشكّ في صحّة موقفه، تشكّ في إلهيّة اطروحته، حينما يخرّ صريعاً والامّة تشكّ في كلّ [هذا، سوف لن يفعل هذا الدم الطاهر الذي يسكب على الأرض ما فعله الدم الطاهر الذي][1] سكب على أرض كربلاء، سوف لن يحرّك ضميراً في الامّة، سوف لن يغيّر شيئاً من الأوضاع الحقيقيّة للُامّة.
عبدالله بن الزبير أيضاً كان له موقفٌ في وجه جيش عبد الملكبنمروان، كان له موقف أيضاً يعتبر- بالمقاييس الشخصيّة، وبقطع النظر عن الرسالة- موقفاً بطوليّاً. [واصل][2] الحرب إلى أن خرّ صريعاً في الميدان، إلى أن قُتل، وقُتل معه كلّ أهله وكلّ ذويه القادرين على حمل السلاح تقريباً[3].
إلّا أنّه مع هذا، ماذا خلّف عبدالله بن الزبير؟ ماذا ترك في ضمير الامّة؟ ماذا حرّك من نفوس المسلمين؟ هل استطاع عبدالله بن الزبير بدمه أن يحقّق المكسب الذي حقّقه الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام)؟ لا.
عثمان بن عفّان واصل الحكم، واصل التجربة، كلّما قال له أعداؤه:
[1] ما بين عضادتين ساقطٌ من المحاضرة الصوتيّة، وقد أثبتناه من( غ) و( ه-).
[2] ما بين عضادتين ساقطٌ من المحاضرة الصوتيّة، وقد أثبتناه من( غ) و( ه-).
[3] راجع حول مقتل ابن الزبير: الطبقات الكبرى 93: 2: 5؛ الأخبار الطوال: 314؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 187: 6؛ الفتوح 337: 6؛ المنتظم في تاريخ الامم والملوك 124: 6.