معركته من أجل الإسلام؟ بذل دمه من أجل العمل الإسلامي؟
أبداً وعلى الإطلاق، لماذا؟ لأنّ الناس كانوا يعيشون مفهوماً واضحاً- أو نصف واضح- عن عبد الله بن الزبير بأنّه يخوض المعركة ضدّ عبد الملك بن مروان لزعامته الشخصيّة، لا لأجل حماية الإسلام، ولا لأجل إنقاذ الرسالة ولأجل تعديل الخطّ.
نفسُ هذا الشكّ- بدرجة أو باخرى- كان قد وُجد في الجماهير أيّام الإمام الحسن (عليه السلام)؛ لأنّه كان موجوداً في آخر أيّام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتعقّد ونما في عهد الإمام الحسن (عليه السلام).
وعليه، فلو خاض الإمام الحسن (عليه السلام) المعركة اليائسة لكانت هذه المعركة يائسةً جدّاً إلى درجةٍ كبيرة، كالمعركة التي خاضها عبد الله بن الزبير، ولم يكن لمثل هذه المعركة أيُّ عطاءٍ للإسلام وللعمل الإسلامي.
ضرورة الانحسار المؤقّت لخطّ الإمام علي (عليه السلام):
كان لا بدّ للإمام الحسن (عليه السلام)- ولا بدّ للخطّ الصحيح- أن ينحسِر مؤقّتاً ويهادن مؤقّتاً، ويستولي معاوية بن أبي سفيان على كلّ العالم الإسلامي؛ لكي ينكشف مضمون اطروحة معاوية، ولكي يعرف هؤلاء المسلمون البسطاء- الذين لم يكونوا يعرفون إلّا ما يرونه بأعينهم[1]– مَن كان عليّ (عليه السلام)، ومن كان معاوية، وماذا كانت اطروحة علي (عليه السلام)، وما هي اطروحة معاوية.
ولقد ساهم معاوية نفسه إلى درجة كبيرة في كشف هذا الواقع؛ حيث لم ينتظر إلى أن تكشف الوقائع والأحداث عن حقيقته، بل أعلن منذ اليوم الأوّل عن مضمون هذه الاطروحة[2]، وبدأ يواصل هذا الإعلان عمليّاً ولفظيّاً في
[1] راجع في هذه المحاضرة: طبيعة الموقفين وصراع الاطروحتين، النقطة الرابعة: الاختلاف بين الدعويين على مستوى الوعي والحسّ.
[2] على ما تقدّم في المحاضرة الحادية عشرة، تحت عنوان: أسباب الشكّ في رساليّة المعركة بين الإمام علي( عليه السلام) ومعاوية، السبب الثاني. وفي هذه المحاضرة، تحت عنوان: طبيعة الموقفين وصراع الاطروحتين، النقطة الرابعة.