المدينة، وعندها تفرغ المدينة عاصمة الإسلام ممّن يحميها عن غزو المشركين والكافرين، منعه من النفير العام[1].
وهكذا، كان عليٌّ (عليه السلام) يتدخّل تدخّلًا إيجابيّاً موجِّهاً في سبيل أن يقاوم المزيد من الانحراف والمزيد من الضياع، كي يطيل عمر هذه التجربة الإسلاميّة، ويقاوم عامل الكمّ الذي ذكرناه.
هذا هو أحد اسلوبَي مقاومة العامل الكميّ.
ب- معارضة الحكّام ومنعهم عن المزيد من الانحراف:
والاسلوب الآخر لمقاومة العامل الكمّي في الموضوع كان هو المعارضة، أي كان عبارةً عن تهديد الحكّام ومنعهم من المزيد من الانحراف، لا عن سبيل التوجيه، وإنّما عن سبيل المعارضة والتهديد.
في [الاسلوب] الأوّل كنّا نفرض أنّ الحاكم فارغٌ دينيّاً وكان يحتاج إلى توجيه، الإمام (عليه السلام) كان يأتي ويوجّه.
أمّا الاسلوب الثاني [ف-]- يكون فيه الحاكم منحرفاً ولا يقبل التوجيه، إذاً فيحتاج إلى معارضة، ويحتاج إلى حملةٍ ضدَّ هذا الحاكم لأجل إيقافه عند حدّه، ولأجل منعه عن المزيد في الانحراف. وكانت هذه هي السياسة العامّة للأئمّة (عليهم السلام).
أَلَسنا نعلم أنّ عمر صعد على المنبر وقال: «ماذا كنتم تعملون لو أنّا صرفناكم عمّا تعلمون إلى ما تنكرون؟!»؛ كان يريد أن يقدّر الموقف وماذا سيكون. لم يقم له إلّا عليٌّ (عليه السلام) ليقول له: «لو فعلت ذلك لقوّمناك بسيوفنا»[2].
[1] نهج البلاغة: 203، الخطبة 146؛ الأخبار الطوال: 134؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 125: 4؛ الفتوح 293: 2؛ الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 209: 1؛ تجارب الأمم 383: 1؛ الكامل في التاريخ 8: 3.
[2] تقدّم التعليق مفصّلًا على هذا الخبر في المحاضرة الثالثة، تحت عنوان: انعكاسات دور الأئمّة( عليهم السلام) الإيجابي في الحفاظ على الرسالة، ردع الحاكم عن مزيد من الانحراف. وراجع: ربيع الأبرار ونصوص الأخيار 150: 3؛ المناقب( الخوارزمي): 98، الحديث 100؛ بحار الأنوار 180: 40- 181.