إيجابيٌّ واضحٌ في معارضة أبي بكر وعمر، والوجه في هذا هو[1]: أنّ عليّاً كان يريد أن تكون المعارضة دائماً في إطارها الرسالي، وأن ينعكس هذا الإطار الرسالي على المسلمين؛ حتّى يفهموا أنّ معارضته ليست لنفسه وإنّما هي للرسالة.
[ومع أنّ][2] أبا بكر وعمر كانا قد بدءا الانحراف، ولكنّ هذا الانحراف لم يكن قد تعمّق بعد، والمسلمون قصيرو النظر الذين قدّموا أبا بكر ثمّ عمر على علي (عليه السلام) لم يكن باستطاعتهم أن يعمّقوا النظر إلى هذه الجذور من الانحراف التي نشأت في أيّام أبي بكر وعمر، فكان معنى مواصلة العمليّة ومواصلة المعارضة بشكلٍ شديدٍ أيّام أبي بكر وعمر، معنى أن يبدأ عمَلَه- الذي بدأه أيّام عثمان- أيّامَ أبي بكر وعمر، معناه أن يفسَّر من أكثر المسلمين على أنّه عملٌ شخصي ومنافسةٌ شخصيّةٌ مع أبي بكر وعمر.
أبو بكر وعمر وإن بدأت بذور الانحراف في عهدهما، إلّا أنّه حتّى هذه البذور كانت في الأغلب مصبوغةً بالصبغة الحراريّة الإيمانيّة، مربوطة بالحرارة الإيمانيّة الموجودة لدى الامّة. وحيث إنّها حرارة إيمانيّة بدون وعيٍ رساليٍّ، لم تكن الامّة تميّز أنّ هذا هو عبارة عن الانحراف.
عمر حينما ميّز بين المسلمين وأنشأ نظام الطبقات، حينما أثرى قبيلةً أو جماعةً دون غيرها وعلى حساب غيرها، حينما أثرى قبيلة النبي (صلّى الله عليه وآله)- حيث أغنى زوجاته، أغنى عمَّه، أغنى أهل بيته، حينما كان يعطي لزوجات النبي لكلٍّ عشرةَ آلاف، ويعطي عمَّ النبي (صلّى الله عليه وآله) العبّاس اثني عشر ألفاً[3]-، حينما
[1] سبق أن تعرّض الشهيد الصدر( قدّس سرّه) لهذا الوجه في المحاضرة الخامسة، تحت عنوان: حيثيّات بدء أمير المؤمنين( عليه السلام) الصراعَ السياسي.
[2] في المحاضرة المدوّنة:« وحيث إنّ»، وما أثبتناه أنسب للمراد.
[3] « وكان فرض للعبّاس خمسةً وعشرين ألفاً، وقيل: اثني عشر ألفاً، وأعطى نساء النبي[( صلّى الله عليه وآله)] عشرة آلاف عشرة آلاف، إلّا من جرى عليها الملك» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 614: 3، وراجع أرقاماً اخرى في: الطبقات الكبرى 229: 3؛ فتوح البلدان: 436.