بكر وعمر، اتّهمه بكلّ ما يمكن أن يُتّهم به الشخص المطالب بالجاه وبالسلطان وبالزعامة[1].
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عمل على خطّ تسلّم زمام الحكم وتفتيت هذا الانحراف، وكسب زعامة التجربة الإسلاميّة إلى شخصه الكريم. بدأ هذا العمل عقيب وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) مباشرةً كما قلناه بالأمس[2]؛ حيث حاول إيجاد تعبئةٍ وتوعيةٍ فكريّةٍ عامّةٍ في صفوف المؤمنين، وإشعارهم بأنّ الوضع منحرف.
إلّا أنّ هذه التعبئة لم تنجح؛ لأسباب ترتبط بشخص علي (عليه السلام)- استعرضنا بعضها بالأمس[3]-، ولأسباب اخرى ترتبط بانخفاض وعي المسلمين أنفسهم؛ لأنّ المسلمين وقتئذٍ لم يدركوا أنّ يوم السقيفة كان هو اليوم الذي سوف ينفتح منه كلُّ ما انفتح من بلاءٍ على الخطّ الطويل لرسالة الإسلام، لم يدركوا هذا، ورَأَوا أنّ وجوهاً ظاهرةَ الصلاح قد تصدّت لزعامة المسلمين ولقيادتهم في هذا المجال، ومن الممكن [من] خلال هذه القيادة أن ينمو[4] الإسلام وأن تنمو الامّة، ولم يكن يُفهم عن عليّ (عليه السلام) إلّا أنّ له حقّاً شخصيّاً يطالِب به، وهو مقصِّرٌ في مطالبته، والمسألة تقف عند هذا الحدّ وليس أكثر، ولذا ضاقت القصّة على أمير المؤمنين من هذه الناحية.
وإنّنا نجد في مراحل متأخّرة من حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) المظاهر الاخرى لعمله على هذا الخطّ لمحاولة تسلّمه- أو سعيه في سبيل تسلّم-
[1] كتب معاوية بن أبي سفيان لعليٍّ( عليه السلام) بعد مقتل عثمان:« فكلّهم حسدت وعلى كلّهم بغيت، عرفنا ذلك في نظرك الشزر وفي قولك الهجر وفي تنفسك الصعداء وفي إبطائك عن الخلفاء»، فأجابه( عليه السلام):« وذكرت حسدي الخلفاء وإبطائي عنهم وبغيي عليهم؛ فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون، وأمّا الإبطاء عنهم والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى الناس …» وقعة صفّين: 87، 90.
[2] في المحاضرة السابعة، تحت عنوان: تخطيط الأئمّة( عليهم السلام) لمواجهة الانحراف.
[3] في المحاضرة السابعة، تحت عنوان: بعض موانع تزعّم الإمام علي( عليه السلام).
[4] كذا في( م) و( ف)، وفي( غ):« ينجو».