بشبابه، بكلّ هذه الامور، كان يضرب الرقم القياسي الذي لا يمكن أن يحلم به صحابيٌّ آخر. كلُّ هؤلاء كانوا يودّون أن يقدّموا خدمةً للإسلام- أتكلّم عن الصحابة الصالحين الصادقين-، ولكنّ عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يفوقهم بدرجةٍ كبيرةٍ هائلة، بدرجة هائلة.
عليُّ بن أبي طالب بالرغم من التفاوت الكبير في العمر بينه وبين شيوخ الصحابة من أمثال أبي بكر وعمر وغيرهما، ممّن عاش في تلك الفترة التي تلت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)، بالرغم من كلّ ذلك أفلس أبو بكر، وأفلس عمر، وأفلس هؤلاء كلّهم أمام رسوخ عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) الذي كان يضرب بسيفين[1].
يقول معاوية لمحمّد بن أبي بكر بأنّ عليّاً (عليه السلام) كان في أيّام النبي (صلّى الله عليه وآله) كالنجم في السماء لا يطاول[2]. الامّة الإسلامية كانت تنظر إليه كالنجم في السماء، بالرغم من أنّ العدد الكبير منها لم يكن يحبّه.
كان عليٌّ كالنجم في السماء لا يُمكن أن يُطاوَل؛ لأنّ النسبة لم تكن نسبةً معقولة، كان عليٌّ (عليه السلام) مجاهداً بدرجةٍ لا يمكن أن يقاس به شخص آخر، كان صامداً بدرجةٍ لا يمكن أن يقاس به شخص آخر، وهكذا في زهده، وفي كلّ كمالات الرسالة الإسلاميّة.
إذاً، فعليٌّ (عليه السلام) كان تحدّياً، كان استفزازاً للآخرين، وهؤلاء الآخرون ليسوا كلُّهم يعيشون الرسالة فقط، بل جملةٌ منهم يعيشون معها أنفسَهم وأنانيَّتَهم. وحينما يشعرون بهذا الاستفزاز التكويني من شخص هذا الرجل العظيم- الذي
[1] الأمالي( الصدوق): 25، الحديث 2؛ بشارة المصطفى: 156؛ الخرائج والجرائح 212: 1. وهو ما ورد على لسان الإمام زين العابدين( عليه السلام) تارةً( بحار الأنوار 138: 45)، وعلى لسان قنبر مولى أمير المؤمنين( عليه السلام) اخرى( الاختصاص: 73؛ اختيار معرفة الرجال: 73).
[2] « وقد كنّا وأبوك معنا في حياة من نبيّنا( صلّى الله عليه وآله) نرى حقَّ ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله مبرزاً علينا» وقعة صفّين: 120؛ مروج الذهب 12: 3؛ شرح نهج البلاغة 190: 3.