كان لا بدّ أن تستمرَّ هذه الرسالة، لكن تستمرّ بشكلٍ هيّنٍ ليّن، بشكلٍ ينفتح على مطامع أبي سفيان، بشكلٍ يُمكن أن يتفاعل معه أبو سفيان.
أبو سفيان الذي جاء إلى عليٍّ (عليه السلام) في لحظةٍ قاسية، تلك اللحظة التي يشعر فيها الإنسان عادةً بقدر كبيرٍ من المظلوميّة، في لحظةٍ خانه فيها المسلمون وتآمروا عليه وتنكّروا لكلّ جهاده وأمجاده، حتّى أنكروا اخوّته لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)[1] … في تلك اللحظة جاءه أبو سفيان يعرض عليه القيادة بين يديه، يعرض عليه أن يُزَعِّمه في سبيل أن يكون هو اليدَ اليمنى للدولة الإسلاميّة. يأبى علي (عليه السلام)، يأبى وهو مظلوم ومتآمَرٌ عليه ومضطهدٌ حقُّه[2]، ثمّ يذهب أبو بكر وعمر إلى أبي سفيان ويتعاملان معه، ويولّيان أولاده على بلاد المسلمين[3].
هذا هو الاستمرار الهيّن الذي كانت مصالح المنافقين تطلبه وقتئذٍ. وبهذا كانت قيادة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وزعامته تمثّل خطراً على هذه المصالح.
3- العامل الأخلاقي والنفسي:
والعامل الثالث هو عامل يرتبط بعوامل نفسيّة خُلُقيّة[4]:
عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام) كان يمثّل استمراراً وتحدّياً- بوجوده التكويني- للصادقِين من الصحابة لا المنافقين، وذلك بجهاده، بصرامته، باستبساله،
[1] في قول الخليفة الثاني له( عليه السلام):« أمّا عبدالله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا» الإمامة والسياسة 31: 1.
[2] « لمّا اجتمع الناس على بيعة أبي بكر، أقبل أبو سفيان وهو يقول: والله! إنّي لأرى عجاجةً لا يطفئها إلّا دم. يا آل عبد مناف! فيمَ أبو بكر من أموركم؟ أين المستضعفان؟ اين الأذلّان عليٌّ والعبّاس؟ وقال: أبا حسن! ابسط يدك حتّى أبايعك» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 209: 3؛ شرح نهج البلاغة 2: 44.
[3] « لمّا استخلف أبو بكر قال أبو سفيان: ما لنا ولأبي فصيل، إنّما هي بنو عبد مناف .. فقيل له: إنّه قد ولّى ابنك، قال: وصلته رحم» تاريخ الامم والملوك( الطبري) 209: 3.
[4] راجع بعض ما يرتبط بهذا العامل: فدك في التاريخ: 49،[ دوافع الخليفة الأوّل في موقفه].