دخل كثيرٌ من الناس بهذه العقليّة، وهؤلاء كانوا يعلمون أنّ علي بنأبي طالب (عليه السلام) هو الرجل الثاني في هذه الرسالة، وهو الاستمرار العنيد لها، لا الاستمرار الرخو المتميّع لها[1].
هؤلاء كانوا مشدودين إلى أطماع وإلى مصالح كانت تتطلّب أن تستمرَّ الرسالة، كان من مصلحتهم أن يستمرَّ الإسلام؛ لأنّ الإسلام إذا انطفأ، فمعنى هذا أنّه سوف تنطفئ هذه الحركة القويّة التي بنت دولةً ومجتمعاً، والتي يُمكن أن تُطبِق على العالم، على كنوز كسرى وقيصر، وتضمَّ أموال الأرض كلّها إلى هذه الامّة.
كان من المصلحة أن تستمرَّ هذه الحركة، لكن لا بتلك الدرجة من الصلابة والجدّية، بل أن تستمرَّ بدرجةٍ رخوةٍ هيّنة، كما وصف الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل: كيف نجح أبو بكر وعمر في قيادة المسلمين، وفشل عثمان وعليٌّ (عليه السلام) في هذه القيادة؟ قال (عليه السلام): لأنّ عليّاً أرادها حقّاً محضاً، وعثمان أرادها باطلًا محضاً، وأبو بكر وعمر خلطا حقّاً بباطل[2].
[1] يكتب أمير المؤمنين( عليه السلام) إلى معاوية بن أبي سفيان:« وإنّي لو قتلت في ذات الله وحييت، ثمّ قتلت ثمّ حييت سبعين مرّة، لم أرجع عن الشدّة في ذات الله والجهاد لأعداء الله …. وأمّا استواؤنا في الخوف والرجاء، فإنّك لست أمضى على الشكّ منّي على اليقين» وقعة صفّين: 471.
[2] لم نعثر عليه. نعم، ذكر عماد الدين الطبري مرسلًا أنّهم:« سألوا الإمام الصادق عن أبي بكر وعمر؛ كيف استقامت لهما الامّة ولم تستقم لعثمان؟ فقال( عليه السلام): عدل الرجلان مع الناس إلّا مع أهل بيت النبي. أمّا عثمان فكان ظلمه عامّاً لأهل البيت وللناس قاطبة، من هذه الجهة اجتمع الناس عليه فقتلوه»( كامل البهائي في السقيفة 175: 2)، ومثله في( الصوارم المهرقة في ردّ الصواعق المحرقة: 46) و( البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة 297: 3) دون نسبته إلى الإمام الصادق( عليه السلام)، وقريبٌ منه كلامٌ للأمير( عليه السلام)( وقعة صفّين: 200). وقد تحدّث( عليه السلام) في كلامٍ آخر له عن عدم خفاء الباطل إذا خلص، وعدم الاختلاف في الحقّ كذلك، واستحواذ الشيطان إذا مُزجا معاً( نهج البلاغة: 88، الخطبة 50)، وطبّقه الشارح على« الأسلاف ومن يحسن الظنُّ فيه من الرؤساء وأرباب المذاهب»( شرح نهج البلاغة 242: 3). وقد استفاد من أصل النكتة النقيب أبو جعفر يحيى( شرح نهج البلاغة 89: 12)، والجاحظ( الرسائل السياسيّة: 469).