والآن نبدأ بتحليل الموقف عقيب وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) وعلى ضوء هذه الاطروحة.
التجربة النبويّة مع الاستخلاف، والموقف العلوي من الانحراف:
أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما واجه الانحراف في التجربة عقيب وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) قام بعمليّة تعبئةٍ فكريّةٍ في صفوف المسلمين مؤدّاها: أنّ هذا الوضع الجديد هو وضعٌ غير طبيعيٍّ ومنحرفٌ عن الخطّ الإسلامي، واستعان لهذا السبيل ببنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قرينته العظيمة[1]؛ وذلك لأجل أن يستثير في نفوس المسلمين عواطفهم ومشاعرهم المرتبطة بأعزّ شخصٍ يحبّونه ويجلّونه، وهو شخص النبي (صلّى الله عليه وآله).
إلّا أنّه فقدها (عليها السلام)، ولم يستطع أن يستثير المسلمين بالدرجة التي تحوّل مجرى التجربة وتجعل هناك تبدّلًا أساسيّاً في الخطّ القائم، وكان ذلك أمراً طبيعيّاً. يعني: من الطبيعي أن ينتهي أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عدم النجاح في القضاء على هذا الانحراف.
ولكي نفهم هذا، يكفي أن نلتفت إلى نفس ما أصاب النبي (صلّى الله عليه وآله)- وهو الرائد الأعظم لهذه الرسالة، ما أصابه- من قلقٍ وارتباكٍ في سبيل تركيز إمامة عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، ماذا أصاب النبي (صلّى الله عليه وآله)؟!
1- هذا النبيُّ العظيم الذي لم يتلكّأ ولم يتلعثم ولم يتردّد في أيّ لونٍ من ألوان التركيز والعمل في سبيل تلك المهمّات، هذا النبيُّ العظيم الذي لم يشعر بالخوف ولا القلق، والذي لم يخفق قلبه بأيّ لونٍ من ألوان الوساوس والشكوك، ولا بأيّ لونٍ من ألوان الضعف والانهيار .. هذا النبيُّ العظيم يقف
[1] « وخرج عليٌ[( عليه السلام)] يحمل فاطمة بنت رسول الله[( صلّى الله عليه وآله)] على دابّة ليلًا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة» الإمامة والسياسة 29: 1.