وهي التي تسود، فمعنى ذلك أنّ الجاهليّة سوف تشارك الإسلام في الحكم، وسوف يصبح للجاهليّة حكمٌ وتزعّمٌ في توجيه التجربة الإسلاميّة التي جاءت لأجل أن تنقذ الإنسان من الجاهليّة إلى الإسلام، وتصنع الإنسان الجديد، وتقضي على الإنسان القديم. بينما كان المفروض هكذا، وإذا بالجاهليّة تشارك الإسلام في الحكم.
2- عدم استيعابِ الرسالة الإ سلاميّةو التهيّؤِ للحكم:
وأمّا ثانياً، فإنّ هؤلاء- بقطع النظر عن جهة الراسب الجاهلي- لم يكونوا مهيَّئين للحكم[1]؛ لم يكونوا قد استوعبوا الرسالة الإسلاميّة استيعاباً كاملًا؛ لأنّ هؤلاء الصحابة تأثّروا بالمحنة، عاشوا المحنة السياسيّة للدولة الإسلاميّة، المحنة العسكريّة لهذه الدولة. الدولة الإسلاميّة كانت في خضمّ الحروب وفي خضمّ الفتن، وفي منازعاتٍ مع المشركين من ناحية، ومع اليهود من ناحيةٍ اخرى، ومع سائر قبائل العرب من ناحيةٍ ثالثة.
إذاً، خضمُّ هذا الصراع العسكري والسياسي كان يجعل الصحابة دائماً في دوّامة التفكير في كيفيّة حماية الدولة الإسلاميّة، وفي كيفيّة الدفاع عنها، وفي كيفيّة المساهمة في حروبها.
تعلمون أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) غزا عشرات المرّات[2] في فترة قصيرة، [غزا] في عدّة سنوات عشرات الغزوات، غزوات أعمّ من أن يكون قد وقع فيها قتال أو لم يقع فيها قتال؛ فالحياة كانت قلقة، حياةَ صراعٍ عسكريٍّ وسياسيٍّ مع
[1] هنا تبدأ الجملة الاعتراضيّة في المحاضرة المدوّنة، وتقديمها- كما فعلنا- أنسبُ لمراده( قدّس سرّه).
[2] اختلف في عدد غزواته( صلّى الله عليه وآله)، فقيل: 18( المعرفة والتاريخ 262: 3)، وقيل: 19( الاستيعاب في معرفة الأصحاب 535: 2)، وقيل: 21( الاستيعاب في معرفة الأصحاب 220: 1)، وقيل: 24( المعرفة والتاريخ 262: 3)، وقيل: 26[ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 152: 3؛ أسد الغابة في معرفة الصحابة 1: 28]، وقيل: 27[ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 526: 11].