ما قلناه يمكن أن ينسجم حتّى مع التصوّر السنّي لهؤلاء؛ بأن نقول: هؤلاء صحابة صالحون، ولكنّهم مع هذا كلّه لا يزال الراسب الجاهلي يعيش في أعماقهم بدرجة 30، 40، 50% مثلًا، وأمّا الباقي فأصبح إسلاميّاً.
ب- النظر إلى النبوّة بوصفها سلطاناً:
مثلًا: في يوم السقيفة، تعلمون بأنّ الخليفة الأوّل والثاني قالا: «من ينازعنا سلطان محمّد»؟![1].
كان محمّد (صلّى الله عليه وآله) شيخ قبيلةٍ وهم شيوخ هذه القبيلة، وبعد أن مات شيخ القبيلة الأوّل يتولّى شيوخ القبيلة الآخرون.
«من ينازعنا سلطان محمّد؟!»، هذا راسب جاهلي.
قد لا يكون عمر أو أبو بكر يعيش هذا الراسب [في تمام حالاته، بل يكون في بعض الحالات يترفّع عن هذا الراسب][2]، قد يكون الجانب الإسلامي يتغلّب على الجانب الجاهلي، ولكن حيث إنّ الراسب موجود، فإنّ جزءاً من نفسه يمثّل هذا الراسب، ولهذا يطفو هذا الراسب في لحظاتٍ عديدةٍ من حياتهم الاجتماعيّة والسياسيّة.
إذاً، فهؤلاء الخلفاء- بحكم وضعهم وحياتهم- لم يكونوا اناساً قد اجتثّت الجاهليّة من نفوسهم اجتثاثاً تامّاً، بل كانت الجاهليّة تعيش في نفوسهم في حالةٍ واضحةٍ ملحوظةٍ تنعكس على سلوكهم بين حينٍ وآخر.
وحينئذٍ، فهؤلاء حينما يتزعّمون قيادة التجربة الإسلاميّة فبطبيعة الحال: مجموع الأفكار والعواطف التي يمثّلها أبو بكر أو عمر أو عثمان هي التي تحكم
[1] الإمامة والسياسة 25: 1، 29؛ تاريخ الامم والملوك( الطبري) 220: 3، وهو قول الخليفة الثاني، وقد ذكرنا في المحاضرة الخامسة كيف عبّر أبو سفيان عن هذا المفهوم يوم فتح مكّة( البداية والنهاية 4: 290).
[2] ما بين عضادتين من( غ) و( ف).