كانت ترفض التحلّل بين العمرة والحجّ[1]، تأثّر الخليفة الثاني تأثّراً إلى درجةٍ أن يردّ على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وجهاً لوجهٍ، مفضّلًا طريقة الجاهليّة على طريقة الإسلام[2].
وفي حياة الخلفاء الثلاثة شواهدُ كثيرةٌ على هذا تظهر بين حينٍ وحين[3].
ولا نريد من هذا أن نقول بأنّ هؤلاء كانوا اناساً يستبطنون الكفر والعداء للإسلام أو لشخص رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ فإنّ الحديث عن هذا قد جمّدناه، ولكن
[1] كذا في( م) و( غ) و( ف)، وهو يناسب ما تقدّم، لكن وفقاً للتعليل الآتي يُفترض أن يكون مراده( قدّس سرّه):« .. ترفض الجمع» لا« التحلّل»؛ إذ لم نعثر على ما يفيد بأنّ أهل الجاهليّة كانوا لا يتحلّلون بين العمرة وبين الحجّ ويبقون على إحرامهم، بل هو بعيد؛ فإنّهم كانوا يعتمرون في رجب ويحجّون في ذي الحجّة، وكانوا يفصلون بينهما، و« يعتقدون .. أنّ العمرة في أشهر الحج من أكبر الكبائر»[ فتح العزيز 112: 7؛ المجموع( النووي) 8: 7، وراجع حول عقائد أهل الجاهليّة في المسألة: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام 392: 6]. ثمّ إنّ عمر بن الخطّاب- وكما يأتي- أمر بالفصل بين الحجّ وبين العمرة بعد أن جمع بينهما رسول الله( صلّى الله عليه وآله)، لا أنّه أمر بالتحلّل بينهما مع بقاء العمرة في رجب والحجّ في ذي الحجّة، فلاحظ.
[2] سُجّل اعتراض الخليفة الثاني على حكم رسول الله( صلّى الله عليه وآله) بعدّة صيغ: الاولى: في حياته( صلّى الله عليه وآله)، وهي التي ربما قصدها الشهيد الصدر( قدّس سرّه) بقوله:« وجهاً لوجه»؛ حيث بلغه( صلّى الله عليه وآله) اعتراض أصحابه بالقول:« .. فنأتي عرفة تقطر مذاكيرنا»، والاعتراض منسوبٌ في عشرات مصادر أهل السنّة إلى الصحابة على لسان جابر بن عبدالله الأنصاري[ الجامع المسند الصحيح المختصر( البخاري) 2681: 6، الحديث 6933]. ولكنّ الشيخ المفيد( رحمه الله) صرّح بأنّه« كان في من أقام على الخلاف للنبي( صلّى الله عليه وآله): عمر الخطّاب، فاستدعاه ..»( الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد 174: 1؛ بحار الأنوار 386: 21، الحديث 10). الثانية: بعد وفاته( صلّى الله عليه وآله)؛ حيث نهى عن عمرة التمتّع وقال:« قد علمتُ أنّ النبي[( صلّى الله عليه وآله)] قد فعله وأصحابه، ولكنّي كرهتُ أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك، ثمّ يروحون بالحجّ تقطر رؤوسهم» المسند( ابن حنبل) 50: 1. ولعلّ تعليله يؤيّد ما ذكره المفيد( رحمه الله) من كونه ضمن المعترضين في الصيغة الاولى. الثالثة: بعد وفاته( صلّى الله عليه وآله) أيضاً؛ حيث قال:« افصلوا بين حجّكم وعمرتكم؛ فإنّ ذلك أتمُّ لحجِّ أحدكم وأتمُّ لعمرته أن يعتمر في غير أشهر الحج»( الموطّأ 347: 1، الحديث 67؛ كتاب الام 226: 7). والصيغة الأخيرة أنسبُ لتعليل الشهيد الصدر( قدّس سرّه)، ولكنّها لم تكن وجهاً لوجه.
[3] راجع بعض اعتراضات القوم على رسول الله( صلّى الله عليه وآله) في: النصّ والاجتهاد: 77، 125 و 162، الموارد: 10، 15 و 18.