لأنّنا قلنا في الأيّام السابقة[1] بأنّ الإسلام رسالة تربيةٍ للإنسان، رسالة جاءت لتبني الإنسان من جديد، وبناء الإنسان من جديدٍ يتوقّف على السيطرة على كلّ المجالات التي يمكن للإنسان أن يمارس حياته ونشاطه عليها؛ لأنّ المربّي ما لم يسيطر على كلّ تلك المجالات، وما لم يمتلك زمام كلّ تلك الميادين لا يمكنه أن يسيطر على كلّ أبعاد الإنسان، وبالتالي أن يربّي الإنسان وفقاً للرسالة التي جاء بها.
التربية الشاملة الكاملة للإنسان- بحيث يبني إنساناً إسلاميّاً جديداً متميّزاً بكلّ أبعاده وجهاته ومقوّماته عن إنسان ما قبل الإسلام، عن إنسان الجاهليّة- هذا يتوقّف على أن يسيطر المربّي على كلّ المجالات التي يعمل عليها الإنسان، يسيطر على مجال العلاقات الفرديّة مع الإله، يسيطر على مجال علاقاته مع الآخرين في النطاق العائلي والمجال الاجتماعي، يسيطر على كلّ هذه المجالات؛ لأنّه لو لم يسيطر على أيّ واحدٍ منها يكون معنى ذلك أنّ جزءاً من الإنسان لم يُسيطَر عليه. وبما أنّ الإنسان يتفاعل مع كلّ هذه المجالات، يكون عدم السيطرة على واحدٍ منها معناه أنّه لم يسيطر على جزءٍ من الإنسان، وبالتالي لم يستطع أن يربّي الإنسان.
أنتم ترون أنّ الأب لا يستطيع أن يربّي ابنه تربيةً كاملةً شاملة؛ لأنّه ليس المربّي الوحيد لابنه؛ ولأنّ هناك أشياء تشاركه في تربيته ابنَه، يشاركه في تربيته زملاؤه في المدرسة، وأساتذته في المدرسة، والمجتمع الذي يعيش فيه، الشارع الذي يلعب فيه، القوانين التي تطبّق عليه من قِبَل الدولة، كلّ هؤلاء يشاركون في تربية ابنه.
فالتربية الشاملة الكاملة لا تكون إلّا بالهيمنة الكاملة على كلّ هذه
[1] في المحاضرة الرابعة، تحت عنوان: ماهيّة الرسالة الإسلاميّة.