فتثبت عجزاً تلو عجز، وقصوراً تلو قصور، حتّى تعلن إفلاسها نهائيّاً عن مواكبة الحدّ الأدنى للقضايا التي تتبنّاها، وللرسالة التي تعلن عنها.
وحينما يتسلسل الانحرافُ في خطٍّ تصاعديٍّ من هذا القبيل أو في خطٍّ تنازليٍّ إلى الهاوية، فمن المنطقي- في فهم تسلسل الأحداث- أنّ هذه التجربة سوف تتعرّض بعد مدىً من الزمن لانهيارٍ كامل، أي: إنّ الدولة والمجتمع الإسلامي والحضارة الإسلاميّة- كقيادةٍ للمجتمع- سوف تتعرّض للانهيار الكامل؛ لأنّ هذه التجربة حينما تصبح ملأى بالتناقضات، حينما تصبح عاجزةً عن مواجهة وظائفها الحقيقيّة .. حينما تصبح بهذا الوضع، تصبح عاجزةً عن حماية نفسها، وتصبح الامّة نفسها عاجزةً عن حماية هذه التجربة[1]، [ف-]- لا بدّ أن تنهار هذه التجربة في مدىً من الزمن، وذلك كنتيجة نهائيّة وحتميّة لبذرة الانحراف التي غُرست فيها.
وحينما تنهار هذه التجربة، يكون معنى ذلك أنّ الدولة الإسلاميّة تسقط، والحضارة الإسلاميّة تتخلّى عن قيادة المجتمع، والمجتمع الإسلامي يتفكّك، والإسلام يُقصى عن مركزه كقائدٍ للمجتمع وكقائدٍ للُامّة.
ولكنّ الامّة تبقى طبعاً، المسلمون يبقون كامّة، التجربة في المجتمع والدولة تفشل وتخطئ وتنهار أمام أوّل غزو يغزوها، كما حصل أمام الغزو التتري الذي واجه الخلافة العباسيّة[2].
[1] هنا قال الشهيد الصدر( قدّس سرّه) في جملة اعتراضيّة:« أمّا أنّ التجربة عاجزة عن حماية نفسها؛[ ف-]- لأنّها تكون قد استنفدت أهدافها، واستنفدت إمكانيّة البقاء والاستمرار على مسرح التاريخ؛ لأنّها أصبحت مكفوفةً ومفضوحةً وواضحةَ الخطأ، والتجربةُ المكفوفةُ لا يمكن أن تستمرَّ على مسرح التاريخ. وأمّا أنّ الامّة ليست على مستوى حماية هذه التجربة؛[ ف-]- لأنّ الامّة لا ترى منها ولا تجني الخير الذي تفكّر فيه، ولا تحقّق عن طريقها الآمال التي تصبو إليها؛ ولذا لا ترتبط هذه التجربة بأيّ ارتباطٍ حقيقيٍّ مع الامّة. وبناءً لما تقدّم ..».
[2] والذي بدأ في أواخر سنة 655 ه-، وتلاه سقوط بغداد مطلع سنة 656 ه-، فراجع: تاريخ مختصر الدول: 269؛ تاريخ الإسلام 32: 48 وما بعد.