هذا أمرٌ مستساغٌ على مستوى الذهنيّة الإسلاميّة غير الواعية يومئذٍ.
لو أنّ عليّاً كان يعارض وقتئذٍ هذا الثوب، لو كان يريد أن يعارض هذا الثوب لفُسِّر- على مستوى تلك الذهنيّة- بأنّه صراع شخصي وليس صراعاً عقائديّاً، لم يكن بإمكان عليٍّ يومئذٍ أن يقول للناس ماذا سيتمخّض عن هذه الجريمة- التي ارتكبها عمر- بعد عشرين سنة، ماذا سوف تجرّ هذه الجريمة من كوارث ومن محن، لم يكن بإمكانه أن يُفهِمَ المسلمين ذلك.
ولهذا سكت علي بن أبي طالب، لأجل أن لا يُلْبِس صراعَه الثوبَ الشخصي.
ولهذا هو يقول (عليه الصلاة والسلام): «أنا ساكتٌ ما سلمت امور المسلمين»[1]، ما دام الظلم، ما دام التعدّي عليَّ أنا [ف-]- أنا أسكت، ما دام الناس يعيشون، ما دام الناس يشعرون بأنّ الامور بخير، فأنا أسكت، حتّى تصيبهم شرارة الانحراف.
بعد عمر مباشرةً أعلن رأيه في عمر بن الخطّاب، قبل أن تجيء الأحداث أعلن رأيه في عمر وأبي بكر، وهذا لم يكن صراعاً شخصيّاً؛ لأنّ عمر كان قد مات، وهو الآن عضوٌ في الشورى، ومصيره السياسي مرتبطٌ بانتخاب عبدالرحمن بن عوف له، وعبد الرحمن بن عوف لا ينتخبه إذا أعلن معارضة عمر.
إذاً، فإعلانه لمعارضة عمر في مجلس الشورى كان على العكس، هذا كان موقفاً عقائديّاً، موقفاً نضاليّاً، ولم يكن موقفاً شخصيّاً أبداً؛ لأنّ المصلحة الشخصيّة هنا كانت تقتضي أن يسكت عن عمر لا أن يعترض على عمر، [كانت تقتضي] أن يُمضي أعمالَ عمر لا أن يعترض على عمر.
هو تصيّد أوّل فرصة مناسبة لأنْ يعترض فيها على عمر، ثمّ يفسَّر موقفُه
[1] نهج البلاغة: 102، الخطبة 74.