الفارسيّة والتركيّة والكرديّة[1].
ما بال هذه الشعوب التي لم تكن قد رأت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولا سمعت منه كلمةَ قرآن، ولا صلَّت معه صلاةً واحدة! هل يترقّب أن يكون لها وعيٌ؟! أو يترقّب أن يكون لها طاقة حراريّة كتلك الطاقة الحراريّة؟!
تلك الطاقة الحراريّة كانت نتيجةَ كفاحٍ مستمرٍّ مع أشرف قائد على وجه الأرض. أمّا هذه الشعوب التي دخلت في حظيرة الإسلام، لم تكن قد عاشت هذا الكفاح المستمرَّ مع أشرف قائدٍ على وجه الأرض.
إذاً، فهذا الانفتاح الهائل على شعوبٍ اخرى أيضاً أضعَفَ من مناعة هذه الامّة، وأضعف من قدرة هذه الامّة على الحماية، وفَتَحَ مجالاتٍ جديدةً للقصور والتقصير أمام الحاكم أيضاً.
الحاكم الذي لم يكن مهيّأً نفسيّاً لأنْ يحكم في مجتمع المدينة، كيف يكون مهيّأً نفسيّاً، كيف يكون مهيّأً فكريّاً وثقافيّاً لأنْ يحكم على بلاد كسرى وقيصر؟ لأنْ يقوِّض ويجتثَّ اصول الجاهليّة الفارسيّة والهنديّة والكرديّة والتركيّة، إضافةً إلى اجتثاث اصول الجاهليّة العربيّة؟! هذه الجاهليّات التي كلُّ واحدةٍ منها كانت تحتوي على قدرٍ كبيرٍ من الأفكار والمفاهيم المنافية مع الأفكار والمفاهيم الاخرى أيضاً، جاهليّات عديدة متضاربة في ما بينها، متضاربة عاطفيّاً، متضاربة فكريّاً، كلّها اندمجت في مجتمعٍ واحدٍ، في حالة عدم وجود ضمانٍ، لا على مستوى الحاكم ولا على مستوى الامّة.
لئن كان اولئك الذين خلّفهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد رَأَوا بامّ أعينهم- ولو لحظةً قصيرة- تجسيداً واقعاً حيّاً للنظريّة الإسلاميّة للحياة وللمجتمع في أيّام رسول الله، لئن كانوا قد رَأَوا تصرّفات رسول الله في المجال السياسي
[1] راجع حول الفتوحات في عهد الخليفة الثاني: الأخبار الطوال: 113 وما بعد.