«شغلنا في أيّام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الصَّفْقُ في الأسواق»[1].
نعم، رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يكن قد اشتغل لتهيئة مجموعةٍ من الامّة لتحكم الناس؛ لأنّه قد كان هيّأ قادةً معيَّنين من أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) ليحكموا. كان لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) درسان، كان له بحثان بحسب الاصطلاح الآخوندي[2]:
1- كان له درسٌ وعمليّةُ توعيةٍ على مستوى الامّة، وهذه عمليّة توعية للُامّة بوصفها رعيّةً، وبالمقدار الذي تتطلّبه الرعيّةُ الواعيةُ من فهمٍ وثقافة.
2- وكان له درسٌ آخر، وبحثٌ آخر، ومستوى آخر من التوعية للصفوة التي اختارها الله تعالى لتخلفه في قيادة هذه التجربة، وتلك كانت توعيةً على مستوى القيادة، وعلى مستوى الحاكميّة.
هؤلاء الذين تولَّوا الحكم بعد رسول الله لم يكونوا قد وُعّوا على هذا المستوى، ولم يكونوا هم أنفسُهم قد هيَّئوا أنفسَهم بصورةٍ مسبقةٍ لهذا المستوى من الناحية الفكريّة والثقافيّة.
أَلَسنا جميعاً نعلم أنّ الصحابة في أيّام أبي بكر وعمر اختلفوا في المسائل الواضحة جدّاً، اختلفوا في حكم مسألةٍ كان يمارسها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمام أعينهم طيلة السنة، اختلفوا في حكم صلاة الجنائز[3].
[1] وهو قول الخليفة الثاني:« خفي هذا عليَّ من أمر رسول الله[( صلّى الله عليه وآله)]؛ ألهاني عنه الصفق بالأسواق» المسند( ابن حنبل) 400: 4؛ الجامع الصحيح( مسلم) 179: 6. وستأتي الإشارة إلى هذا الموقف في المحاضرة السادسة، تحت عنوان: عدم استيعاب الرسالة الإسلاميّة والتهيّؤِ للحكم.
[2] وهو ما ذكره( قدّس سرّه) حول تفسير رسول الله( صلّى الله عليه وآله) القرآن الكريم على مستويين: عام: على مستوى الصحابة، وخاص: على مستوى أهل البيت( عليهم السلام)، فراجع: المدرسة القرآنيّة، علوم القرآن: 323، التفسير في عصر الرسول( صلّى الله عليه وآله).
[3] « جمع عمر الناس فاستشارهم في التكبير على الجنازة، فقال بعضهم: كبّر رسول الله[( صلّى الله عليه وآله)] خمساً، وقال بعضهم: كبّر سبعاً، وقال بعضهم: كبّر أربعاً، فجمعهم على أربع تكبيرات كأطول الصلاة» الكتاب المصنّف في الأحاديث والآثار( ابن أبي شيبة) 495: 2. وراجع: تاريخ المدينة المنوّرة 390: 1؛ الحاوي الكبير 55: 3. وسيستشهد( قدّس سرّه) بهذا الشاهد في المحاضرة السادسة، تحت عنوان: عدم استيعابِ الرسالة الإسلاميّةو التهيّؤِ للحكم، كما تعرّض له في بعض مؤلّفاته، فراجع: التشيّع والإسلام( بحث حول الولاية): 34.