صفحةً جديدةً كاملةً دون أيِّ اصطحابٍ لموروثات العهد السابق؟
هذا أمر غير ممكن، لا في فترة عشر سنوات، بل في فترةٍ أطول من عشر سنوات، فكيف وأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم يعش كمجتمعٍ ودولةٍ، كمربٍّ تربيةً كاملةً مع المدينة إلّا عشر سنوات فقط؟! كيف وأنّ جزءاً كبيراً من المجتمع الإسلامي- الذي دخل الأحداث بعد وفاة رسول الله مباشرةً- هو مجتمع مكّة الذي كان قد دخل في حظيرة الدولة الإسلاميّة وقتئذٍ، ومكّة لم تكن قد دخلت الإسلام إلّا قبل سنتين من وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، كانت قد رأت النور قبل سنتين من وفاة الرسول؟! كيف يمكن أن نتصوّر [أنّه] في خلال هذه الأزمنة القصيرة ومع تلك الطفرة الهائلة الكبيرة يُمكن اجتثاث تلك الاصول؟!
إذاً، فالاصول كان من المنطقي والطبيعي أن تبقى، وكان من المنطقي والطبيعي أن لا تُجتثَّ إلّا خلال عملٍ طويل، وخلال عمليّة تستمرّ مع خلفاء الرسول بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله). إلّا أنّ هذه العمليّة انقطعت بالانحراف، وتحوُّلِ خطِّ الخلافة من علي (عليه الصلاة والسلام) إلى الخلفاء الذين تولّوا الأمر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
إذاً، فهذا لا يعطي أيضاً نقطة استغراب، أو يُعطي نقطة ضعفٍ بالنسبة إلى عمل الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، بل هذا ينسجم مع عظمة الرسالة ومع جلالها ومع تخطيط النبي (صلّى الله عليه وآله).
إذاً هذه هي الامّة، الامّة تحمل طاقةً حراريّة، ولكنّها امّة غير واعية. إذا كانت هي امّةً تحمل طاقةً حراريّةً ولكنّها امّة غير واعية، إذاً فهي غير قادرةٍ على حماية التجربة الإسلاميّة، وعلى وضع حدٍّ لانحراف الحاكم الذي تولّى الحكم بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؛ إذ- بالصيغة الاصوليّة التي قلناها[1]– إنّ الامّة بوصفها المجموعي ليست معصومةً، ما دامت هي تحمل طاقةً حراريّةً فقط ولا
[1] نسبةً إلى علم اصول الفقه، ويقصد( قدّس سرّه) قوله:« الامّة بوصفها المجموعي».