في الخطوة الثامنة؛ لأنّ الفرق الكيفي بين الخطوة السابعة والخطوة الثامنة فرقٌ قليل، فرقٌ ضئيل، التشابه بين الخطوة السابعة والخطوة الثامنة تشابهٌ كبيرٌ جدّاً. هذا التشابه الكبير، ذاك التفاوت اليسير، يعطي في المقام إمكانيّة التحويل، إمكانيّة اجتثاث تلك الاصول الموروثة من الخطوة السابقة.
ولكن ماذا ترون وماذا تقدّرون لو أنّ شخصاً جاء إلى شخصٍ آخر في الأرض فطار به إلى السماء؟!
في لحظةٍ من اللحظات جاء النبيُّ (صلّى الله عليه وآله) إلى مجتمعٍ متناحرٍ يعيش الفكرة القبَليّة بأشدّ ألوانها، وبأضرى[1] معارفها ونتائجها، وأخسّ مفاهيمها وأفكارها، جاء إلى المجتمع فألقى فيه فكرة المجتمع العالمي الذي لا فرق فيه بين قبيلةٍ وقبيلة، وبين شعبٍ وشعب، بين امّةٍ وامّة، وقال بأنّ الناس سواسية كأسنان المشط[2]، وأنّ هؤلاء الناس يجب أن يشكّلوا اسرةً واحدة، ومجتمعاً واحداً، ودولةً واحدة، تضمّ العالم كلَّه.
هذه الطفرة الهائلة- بكلّ ما تضمّ من تحوّلٍ فكري، وانقلاب اجتماعي، وتغيّرٍ في المشاعر والمفاهيم والانفعالات، هذه الطفرة- لم تكن شيئاً عاديّاً في حياة الإنسان، وإنّما كانت شيئاً هائلًا في حياة الإنسان.
إذاً، كيف يمكن أن نتصوّر أنّ هذا المجتمع الذي طفر هذه الطفرة، مهما كان هذا المجتمع ذكيّاً، مهما كان صبوراً على الكفاح، مهما كان قويّاً ومؤمناً برسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ كيف يمكن أن نتصوّر- في الحالات الاعتياديّة- أنّ هذا المجتمع يودِّع تمام ما كان عنده من أفكارٍ ومن مشاعرَ ومن انفعالات، ويقلب
[1] في( غ):« وبأحطّ»، وهي ساقطة من( ف). والذي يبدو من المحاضرة الصوتيّة:« بأضغى»، بمعنى:« بأذلّ»؛ فالضغاء: صوتُ كلّ ذليل مقهور( الصحاح 2409: 6). أو أن تكون:« بأضرى»، بمعنى: أشدّها ضراوة، وهو ما أثبتناه.
[2] البيان والتبيين 14: 2؛ من لا يحضره الفقيه 379: 4، الحديث 5798؛ الاختصاص: 341.