لا، لم يكن موجوداً؛ فإنّ الأنصار أخذ يشيع في ما بينهم هذا الهمس، الهمس القائل بأنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) لقي أهله وقومه وعشيرته فنسي أصحابه وأنصاره! هؤلاء الذين شاركوه في محنته، هؤلاء الذين ضحّوا في سبيله، هؤلاء الذين قاوموا عشيرته في سبيل دعوته، [نسيهم]، أهملهم، أعرض عنهم؛ لأنّه رأى أحبّاءه، أولاد عمّه، رأى عشيرته.
انظروا إلى هذا التفسير! يبدو أنّ الأنصار كان المفهوم القَبَلي متركّزاً في نظرهم، متركّزاً في واقع نفوسهم، إلى درجةٍ يبدو لهم أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله)، وهو الرجل الأشرف الأكمل الذي عاشوا معه، وعاشوا مع تمام مراحل حياته الجهاديّة، ولم يَبدُ في كلِّ مراحلهم الجهاديّة أيُّ لونٍ يعطي شعوراً قَبَليّاً أو قوميّاً، بالرغم من هذا، وبالرغم من خلوّ حياته من أيّ إشعارٍ سابقٍ بذلك … في لحظة انفعالٍ قالوا بأنّه وقع تحت تأثير العاطفة القَبَليّة، تحت تأثير العاطفة القوميّة.
هذه العاطفة القَبَليّة أو العاطفة القوميّة، هذا الترابط القَبَلي كيف كان قويّاً في نفوسهم؟! بحيث إنّهم اصطنعوه تفسيراً للموقف في لحظةٍ من لحظات الانفعال!
رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سمع بالهمس، اطّلع على أنّ هناك بذورَ ردّةٍ فكريّة في الأنصار. أرسل على كبار الأنصار من الأوس والخزرج، جمعهم عنده، التفت إليهم، قال- وأنا أنقل بالمعنى طبعاً، لا باللفظ-: ما مقالةٌ تبلغني عن بعضكم في هذا الموضوع؟! أنّ محمّداً (صلّى الله عليه وآله) نسي أصحابه وأنصاره حينما التقى بقومه؟! فسكت الجميع، واعترف البعض بهذه المقالة.
حينئذٍ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أخذ يعالج الموقف الآني، المشكلة الآنيّة يعالجها أيضاً عن طريق إعطاء مزيدٍ من الطاقة الحراريّة؛ لأنّ هذه المشكلة ذات حدّين: حدّ آنيّ، وحدّ على المدى الطويل: