ثمّ عمد (قدّس سرّه) في مرحلة لاحقة إلى إلقاء بعض هذه المحاضرات عقيب دروسه المعتادة بدل أيّام العطل؛ وذلك كسباً لعدد أكبر من الحضور[1].
وكما هو الحال في أغلب ما كتبه الشهيد الصدر (قدّس سرّه) أو ألقاه، تتجلّى في هذه المحاضرات بوضوح روحُ الإبداع الأصيل والتحليل الفريد، وذلك على الرغم من وقوعها في مناسبات متفرّقة وبقائها حتّى الساعة على صورتها الأوّليّة؛ ففي الوقت الذي لم يرفض فيه شهيدنا الصدر (قدّس سرّه) دراسة حياة المعصومين (عليهم السلام) دراسة تجزيئيّة- بل اعتبرها خطوةً ضروريّة على طريق ما يرميه-، أكّد على عجز هذه النظرة عن تفسير الظواهر المتخالفة في حياة الأئمّة (عليهم السلام)، وهذا ما دفعه إلى اعتماد النظرة الشموليّة الجامعة في دراسة حياتهم (عليهم السلام) وتحليلها.
ويؤمن الشهيد الصدر (قدّس سرّه) بأنّ هذه الرؤية ليست مجرّد افتراض نظري، وإنّما هي ممّا تفرضه العقيدة المتبلورة في فكرة الإمامة بالذات؛ لأنّ الإمامة واحدة في الجميع بمسؤوليّاتها وشروطها، فيجب أن تنعكس انعكاساً واحداً في سلوك الأئمّة (عليهم السلام) وأدوارهم مهما اختلفت ألوانها الظاهريّة بسبب الظروف والملابسات، وهو ما سيجده القارئ الكريم مفصَّلًا في ثنايا هذا الكتاب.
وإلى جانب ما قدّمه مفكّرنا الشهيد (قدّس سرّه) حول عطاءات الاتّجاه الشمولي، نجده قد أبدع في دراسته لحيثيّات حياة كلّ إمام وظروفه، مع قطع النظر عن الدور المشترك الذي عاشه مع سائر الأئمّة (عليهم السلام). ومن أبرز مصاديق ذلك: دراسته المستوعبة لموقف الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تجاه معاوية بن أبي سفيان، وكذا تحليله لمصالحة الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية، ثمّ قراءته الفريدة لتحرّك الإمام الحسين (عليه السلام)، وغير ذلك من مبتكراته في حقل تاريخ الأئمّة (عليهم السلام).
وممّا تجدر الإشارة إليه في المقام: ما يرتبط ببعض المصطلحات التي
[1] يظهر ذلك من مقدّمة المحاضرة الرابعة من هذا الكتاب، حول: التقسيم المرحلي الثلاثي لحياة أئمّة أهل البيت( عليهم السلام)، فراجع.