في بداية الأمر كانوا يتصوّرون أنّ المسألة مسألة انحراف في حكمٍ من أحكام الله لا أكثر؛ الله تعالى قال: «اجعلوا عليّا»، وهم جعلوا أبا بكر. أمّا في باقي الجهات، [فقد] بقي الوضع على حاله، بقيت الصلاة على حالها، بقيت الزكاة تُجبى، بقي الفقراء يُعطَون من الزكاة، بقي كتاب الله يُقرأ في المساجد، بقيت الجماعات تُقام ظهراً وعصراً ومغرباً وعشاءً، بقي بيت الله الحرام يُحجّ إليه بعشرات الالوف، بقيت الجيوش، بقي المرابطون للجهاد يفتحون بلاد الله بلداً بعد بلد.
إذاً، لم يتغيّر شيءٌ إلّا أنّ شخصاً كان اسمه عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام)- هو أفضل وأكمل وأعدل وأورع من أبي بكر- اقصي في المقام؛ لغلبة الهوى، ولغلبة الشهوة، ولُامور اخرى سوف نذكرها في حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)[1]، وهذا الشخص اقصي وجعل مكانه أبو بكر، لا أكثر من هذا المقدار.
لكنّ الأمر لم يكن هكذا، هذا كان نذيرَ الشؤم والويل والدمار بالنسبة إلى التجربة الإسلاميّة كلّها لمّا بُدِّل شخص الحاكم وجُعل حاكمٌ آخر. هذا الحاكم الآخر لم يكن مصمَّماً من قِبل واضع التجربة، هذا الحاكم ليس مصمَّماً من قبل واضع التجربة.
ومعنى أنّه ليس مصمَّماً من قبل واضع التجربة[2]: أنّ هذا الإنسان- على أقلّ تقديرٍ، حتّى لو أخذنا بمفهوم [أهل] السنّة عن أبي بكر، لا بمفهومنا عن أبي بكر، لو أخذنا بمفهوم أخلص المخلصين لأبي بكر، لا بمفهوم أهل البيت عن أبي بكر، لو أخذنا بمفهوم أعداء أهل البيت عن أبي بكر، لا بمفهوم شيعة أهل البيت عن أبي بكر- إنسانٌ تحتشد في نفسه أفكارٌ كثيرةٌ خاطئة، وتحتشد في نفسه شهواتٌ كثيرةٌ تعرّضه للانحراف، هذا على أقلّ تقديرٍ. يعني:
[1] سيأتي الحديث عن موانع تزعّم الإمام علي( عليه السلام) في المحاضرة السابعة إن شاء الله تعالى.
[2] هنا قال الشهيد الصدر( قدّس سرّه):« تبقّى عشرُ دقائق فقط، ثمّ نؤجّل الباقي إلى اليوم الآتي».