صيحاتهم ما تحمّلوا من أذىً وظلمٍ وإهانةٍ وماتوا قبل أن يذوقوا لذّة الانتصار!
إلّا أنّ هؤلاء، حيث إنّهم خرجوا من بيتهم مهاجرين في سبيل الله وماتوا في وسط الطريق، وقع أجرهم على الله.
بالأجر الإلهي انفتح أمام هؤلاء طريق هذه الأهداف الكبيرة، فلا يهمّ هذا الإنسان قصير العمر أن يموت خلال الخطوة الاولى، أو خلال الخطوة الثانية، ما دام يسير في خطٍّ، في أيّ مرحلةٍ منه يموت يقع أجره على الله تعالى.
ه– استبطان النظرة الاولى فتح باب القيم الخُلُقيّة:
هنا انفتح طريق هذه الأهداف الكبيرة. لمّا انفتح طريق هذه الأهداف الكبيرة انفتح باب القيم الخلقيّة، هذه القيم الخلقيّة لا معنى لها ما لم تكن على مستوى الأهداف الكبيرة والجزاء الكبير غير المنظور. القيم الخلقيّة، من التضحية والفداء والحبّ والإيثار ونحو ذلك من الامور … كلّ هذه القيم الخلقيّة انفتح بابها؛ لأنّها جميعا طرقٌ إلى الله.
كلُّ من يمشي في طريقٍ من هذه الطرق ويموت ويخسر ويُبتلى بصدمة تجاهها يقع أجره على الله. كلّ من يضحّي فلا يلاقي جزاء تضحيته يقع أجره على الله تعالى. كلُّ من يقوم بخدمةٍ لآخر ثمّ لا يلاقي جزاءً من الآخر يقع أجره على الله تعالى؛ لأنّه يدخل في ملاك (من خرج من بيته مهاجراً في سبيل الله فمات وقع أجره على الله تعالى).
حينئذٍ، هذه النظرة الأساسيّة- إذاً- تشعّبت منها كلُّ هذه الشُعَب وكلُّ هذه الفروع التي بكاملها- بكامل اخطبوطها- تشكّل الحضارةَ الإسلاميّة؛ فالحضارة الإسلاميّة عبارة عن هذه النظرة الأساسيّة بكلّ شعبها وفروعها