1- النظرة الاولى: النظرة إلى الكون بوصفه مملكةَ مليكٍ مقتدر:
إحدى النظرتين الأساسيّتين للإنسان نحو الكون وموقفه من الكون: أنّه يرى أنّ الكون مملكةٌ لمليكٍ قديرٍ مراقبٍ من وراء الستار، مراقبٍ مراقبةً غيرَ منظورة. هذه هي النظرة الاولى التي يتحدّد بها موقفُ الإنسان من الكون وطبيعة هذا الكون.
أ- استبطان النظرةُ الاولى شعورَ الإنسان بكونه خليفة[1]
: وهذه النظرة- النظرة إلى الكون بأنّه مملكةٌ كبيرةٌ لمليكٍ قديرٍ مراقبٍ من وراء الستار- تستبطن حتماً الشعورَ بأنّ وجود الإنسان في الكون هو وجود الأمين ووجود الخليفة[2]، لا وجود الأصيل ووجود المتحكِّم؛ لأنّ هذه مملكةُ غيره بكلّ ما فيها من وجود وبما فيها نفسُ الإنسان، هي مملكة ذلك المليك القدير المراقب من وراء الستار.
ولهذا يشعر بأنّه يقوم بأعباء الأمانة والخلافة، هذه الخلافة التي قام بها آدم، وقامت بها بعد ذلك الأجيالُ الصالحةُ من بني آدم، هذه الخلافة والأمانة تُستبطن في هذه النظرة.
ب- استبطان النظرة الاولى تصرّف الخليفة وفق رغبات المستخلِف:
حينما يشعر بأنّه أمينٌ وأنّه خليفة، هذا أيضاً يستبطن معنىً آخر، وهذا المعنى الآخر هو معنى ضرورة استيحاء الأمر والتدبير والتقرير والتقديم من قبل ذلك المليك القدير؛ لأنّه هو خليفة وأمين، والأمين لا بدّ له أن يطبِّقَ على الأمانة التي استؤمن إيّاها قراراتِ المالك، فلا بدّ إذاً للإنسان أن يكون رهن
[1] تعرّض الشهيد الصدر( قدّس سرّه) لما تستبطنه النظرة الاولى في: الإسلام يقود الحياة: 127، خطّ الخلافة وركائزه العامّة، فراجع.
[2] الوارد في قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا( الأحزاب: 72).