مرّ الزمن وإلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة.
ولكنّ النبوّة غير مرتبطةٍ بهذا الخطّ؛ لأنّ النبوّة لم تجئ لكي تأخذ بيد الإنسان في مجال السيطرة على الكون والطبيعة، وإنّما جاءت لتصنع من هذا الإنسان المسيطر على الكون والطبيعة- بالدرجة التي هيّأتها له[1] ظروفه الموضوعيّة- إنساناً فاضلًا نبيلًا مدبِّراً حكيماً، سواءٌ أَكانت سيطرته على الطبيعة تهيّئهُ لأنْ ينتقل من بلدٍ إلى بلدٍ على رجليه، أو على الحمير، أو في الطائرات، أو في الصواريخ.
على جميع هذه التقادير، وفي جميع هذه المراحل التي تعبّر عن درجات من سيطرة الإنسان على الكون والطبيعة، في جميع هذه المراحل: النبوّةُ لا يختلف دورها وطبيعة رسالتها.
ومن هنا لم يكن من الحَتْم أن تتغيّر النبوّة بموجب تغيّر الخطّ الثالث، بينما من المعقول- بل من الضروري- أن تتغيّر النبوّة بين حينٍ وحين وفقاً للخطّ الأوّل والخطّ الثاني.
ومن هنا، نعتقد نحن- كمسلمين- أنّ الخطّ الأوّل والخطّ الثاني- هذين الخطّين اللذين ترتبط بهما التغيّرات في النبوّة- لهما حدٌّ نهائي يصل إليه الإنسان، هذا الحدّ النهائي هو الحدّ النهائي الذي وصل إليه الإنسان حينما جاء الإسلام. الإسلام كرسالةٍ شاملةٍ كاملةٍ عامّةٍ للحياة، هذه الرسالة جاءت على أبواب وصول الإنسان إلى رشده الكامل من ناحية استعداده لتقبّل وعيٍ توحيديٍّ صحيح شامل كامل، ومن ناحية تحمّله لمسؤوليّة أعباء الدعوة.
ونحن- باستقراء تاريخنا المنظور منذ جاء الإسلام إلى يومنا هذا- لا نجد أيَّ تغيّرٍ حقيقيٍّ في هذين الخطّين، لا في مدى اتّساع الوعي التوحيدي
[1] في المحاضرة الصوتيّة وفي( ف):« هيّأته لها»، وما أثبتناه هو المناسبُ للمراد.