المجموعة الفقيهة
197

القدرة على‏ مغالبة الضعف في كلّ الحالات. حبّ اللَّه سبحانه وتعالى‏ هو الذي جعل اولئك السحرة يتحولون إلى‏ روّاد على‏ الطريق، فقالوا لفرعون: «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا»[1]. كيف قالوا هكذا؟ لأنّ حب اللَّه اشتعل في قلوبهم، فقالوا لفرعون بكل شجاعة وبطولة «فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا».

حبّ اللَّه هو الذي جعل علياً عليه الصلاة والسلام دائماً يقف مواقف الشجاعة، مواقف البطولة. هذه الشجاعة، شجاعة علي عليه السلام ليست شجاعة السباع، ليست شجاعة الاسود، وإنّما هي شجاعة الإيمان وحبّ اللَّه، لماذا؟ لأنّ هذه الشجاعة لم تكن فقط شجاعة البراز في ميدان الحرب، بل كانت أحياناً شجاعة الرفض، أحياناً شجاعة الصبر.

علي بن أبي طالب ضرب المثل الأعلى‏ في شجاعة المبارزة في ميدان الحرب. شدّ حزامه وهو ناهز الستين من عمره الشريف وهجم على‏ الخوارج وحده، فقاتل أربعة آلاف إنسان. هذه قمّة الشجاعة في ميدان المبارزة؛ لأنّ حبّ اللَّه أسكره، فلم يجعله يلتفت إلى‏ أنّ هؤلاء أربعة آلاف وهو واحد.

وضرب قمّة الشجاعة في الصبر، في السكوت عن الحقّ، حينما فرض عليه الإسلام أن يصبر عن حقّه وهو في قمّة شبابه، لم يكن في شيخوخته، كان في قمّة شبابه، كانت حرارة الشباب مل‏ء وجدانه، ولكن الإسلام قال له: اسكت، اصبر عن حقك حفاظاً على‏ بيضة الدين، مادام هؤلاء يتحمّلون حفظ الشعائر الظاهرية للإسلام وللدين. سكت مادام هؤلاء كانوا يتحفّظون على‏ الظواهر والشعائر الظاهرية للإسلام والدين، وكان هذا قمّة الشجاعة في الصبر أيضاً. هذه ليست‏

 

[1] طه: 72

55

                        الدرس الرابع أساليب القرآن في بيان سنن التاريخ‏

أعوذ باللَّه من الشيطان الرجيم بسم اللَّه الرحمن الرحيم، الحمد للَّه‏رب العالمين وصلى اللَّه على‏ محمدٍ وآله الميامين الطاهرين.
قلنا: إنّ هذه الفكرة القرآنية عن سنن التاريخ بُلورت في عدد كثير من الآيات بأشكال مختلفة وألسنة متعددة، في بعض هذه الآيات اعطيت الفكرة بصيغتها الكليّة، وفي بعض الآيات اعطيت على‏ مستوى‏ التطبيق على‏ مصاديق ونماذج، في بعض الآيات وقع الحثّ على‏ الاستقراء وعلى‏ الفحص الاستقرائي للشواهد التاريخية من أجل الوصول إلى‏ السنة التاريخية.
وهناك عدد كثير من الآيات الكريمة استعرضت هذه الفكرة بشكل وآخر، وسوف نقرأ جملة من هذه الآيات الكريمة وبعض هذه الآيات التي سوف نستعرضها واضح الدلالة على‏ المقصود، والبعض الآخر له نحو دلالة بشكل وآخر أو يكون معزّزاً ومؤيداً للروح العامة لهذه الفكرة القرآنية.
1- بيان الفكرة الكلية لسنن التاريخ:
فمن الآيات الكريمة التي اعطيت فيها الفكرة الكلية، فكرة أنّ التاريخ له سنن وله ضوابط ما يلي:
499

يعدل إلى سورة «المنافقين» ما لم يتجاوز نصف السورة، إلّافي سورة «الجحد» و «التوحيد».

ويستحبّ الجهر بالظهر في يوم الجمعة[1]. ومن يصلّي ظهراً فالأفضل إيقاعها في المسجد الأعظم. وإذا لم يكن إمام الجمعة ممّن يُقتدى به جاز أن يقدِّم المأموم صلاته على الإمام. ولو صلّى معه ركعتين وأتمّها بعد تسليم الإمام ظهراً كان أفضل‏[2].

 

[1] الاستحباب محلّ إشكال.

[2] الأفضليّة ممنوعة.

498

النظر الثالث ‏في آدابها

وأمّا آداب الجمعة، فالغسل والتنفّل بعشرين ركعة: ستّ عند انبساط الشمس، وستّ عند ارتفاعها، وستّ قبل الزوال، وركعتان عند الزوال. ولو أخّر النافلة إلى بعد الزوال جاز، وأفضل من ذلك تقديمها، وإن صلّى بين الفريضتين ستّ ركعات من النافلة جاز. وأن يُباكِر المصلّي إلى المسجد الأعظم، بعد أن يحلق رأسه ويقصّ أظفاره ويأخذ من شاربه، وأن يكون على سكينة ووقار، متطيّباً لابساً أفضل ثيابه، وأن يدعو أمامَ توجّهه، وأن يكون الخطيب بليغاً مواظباً على الصلوات في أوّل أوقاتها.

ويكره له: الكلام‏[1] في أثناء الخطبة بغيرها.

ويستحبّ له: أن يتعمّم شاتياً كان أو قايضاً، ويرتدي ببردة يمنيّة، وأن يكون معتمداً على شي‏ء، وأن يسلّم أوّلًا، وأن يجلس أمام الخطبة.

وإذا سبق الإمام إلى قراءة سورة فليعدل إلى «الجمعة»[2]. وكذا في الثانية

 

[1] بل الأحوط اجتنابه.

[2] تراجع هذه المسألة في التعليقة على منهاج الصالحين‏[ المسألة 55 من مسائل‏القراءة في منهاج الصالحين، الجزء الأوّل‏].

497

السابعة: الأذان الثاني يوم الجمعة بدعة، وقيل: مكروه، والأوّل أشبه.

الثامنة: يحرم البيع يوم الجمعة بعد الأذان، فإن باع أثِمَ وكان البيع صحيحاً على الأظهر. ولو كان أحد المتعاقدين ممّن لا يجب عليه السعي كان البيع سائغاً بالنظر إليه، وحراماً بالنظر إلى الآخر.

التاسعة: إذا لم يكن الإمام موجوداً ولا من نصبه للصلاة، وأمكن الاجتماع والخطبتان، قيل: يستحبّ أن يُصلَّى جمعة، وقيل: لا يجوز، والأوّل أظهر[1].

العاشرة: إذا لم يتمكّن المأموم من السجود مع الإمام في الاولى، فإن أمكنه السجود والإلحاق به قبل الركوع صحّ. وإلّا اقتصر على متابعته في السجدتين‏[2]، وينوي بهما الاولى. فإن نوى بهما الثانية، قيل: تبطل الصلاة، وقيل: يحذفهما ويسجد للُاولى ويتمّ الثانية، والأوّل أظهر.

 

[1] فإقامة صلاة الجمعة أحد فردي الواجب التخييري بلا حاجة إلى إذن الإمام المعصوم ومع الإقامة يجب الحضور على واجدي الشرائط.

[2] إذا أمكنه إدراك الإمام قبل الركوع صحّت صلاته ولو لم يكن قد تمكّن من‏الالتحاق بالإمام في ركوع الركعة الاولى وسجودها معاً فيأتي بهما ويلتحق بالإمام في الثانية قبل الركوع، وإذا أدركه وقد ركع ففي صحّة الصلاة إشكال.

496

الشروط، وكذا على الساكن بالخيم كأهل البادية إذا كانوا قاطنين.

وها هنا مسائل:

الاولى: من انعتق بعضه لا تجب عليه الجمعة. ولو هاياه مولاه لم تجب الجمعة، ولو اتّفقت في يوم نفسه على الأظهر. وكذا المكاتَب والمدَ بَّر.

الثانية: من سقطت عنه الجمعة يجوز أن يصلّي الظهر في أوّل وقتها.

ولا يجب عليه تأخيرها حتّى تفوت الجمعة بل لا يستحبّ. ولو حضر الجمعة بعد ذلك لم تجب عليه.

الثالثة: إذا زالت الشمس لم يجز السفر[1] لتعيين الجمعة. ويكره بعد طلوع الفجر.

الرابعة: الإصغاء إلى الخطبة هل هو واجب؟ فيه تردّد[2]. وكذا تحريم الكلام في أثنائها[3]، لكن ليس بمبطل للجمعة.

الخامسة: يعتبر في إمام الجمعة: كمال العقل، والإيمان، والعدالة، وطهارة المولد، والذكورة. ويجوز أن يكون عبداً[4]. وهل يجوز أن يكون أبرص وأجذم؟

فيه تردّد، والأشبه الجواز. وكذا العُمْي.

السادسة: المسافر إذا نوى الإقامة في بلد عشرة أيام فصاعداً، وجبت عليه الجمعة. وكذا إذا لم ينوِ الإقامة ومضى عليه ثلاثون يوماً في مِصر واحد[5].

 

[1] بمعنى يرجع إلى عدم جواز تفويت الواجب.

[2] أقربه وجوب الإصغاء.

[3] الأحوط حرمته تكليفاً ووضعاً.

[4] بل لا يجوز أن يكون ممّن لا تجب عليه الجمعة كالعبد والأعمى.

[5] لا يخلو من إشكال.

495

النظر الثاني‏في مَن يجب عليه‏

ويراعى فيه شروط سبعة: التكليف والذكورة والحرّية والحضر والسلامة من العمى والمرض والعرج‏[1] وأن لا يكون هِمّاً ولا بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين.

وكلّ هؤلاء إذا تكلّفوا الحضور وجبت عليهم الجمعة وانعقدت بهم‏[2]، سوى من خرج عن التكليف [والمرأة]، وفي العبد تردّد. ولو حضر الكافر لم تصحّ منه ولم تنعقد به وإن كانت واجبة عليه.

وتجب الجمعة على أهل السواد، كما تجب على أهل المدن مع استكمال‏

 

[1] السلامة من العرج ليست من شروط الوجوب على الأظهر. نعم، لا تجب الجمعةعلى من أوجب عرجه حرجيّة الحضور عليه.

[2] هذا لا إشكال فيه بالنسبة إلى من كان أبعد من فرسخين كما لا إشكال في عدم‏الوجوب على غير المكلّف ولو حضر، ولكنّها تصحّ منه ولا يحتسب من العدد، وأمّا ذوو الأعذار كالمريض والأعمى ونحوهما فالظاهر عدم الوجوب عليهم حتّى مع الحضور. نعم، تصحّ منهم الجمعة ولكن لا يحتسبون من العدد، وأمّا المسافر والمرأة فلا تجب الجمعة عليهما ولو حضرا، بل في صحّتها منهما إشكال وإن كان الأقرب صحّة الجمعة منهما لو حضراها مع عدم احتسابهما من العدد.

494

منعه مانع جاز أن يستنيب.

الخامس:

أن لا يكون هناك جمعة اخرى وبينهما دون ثلاثة أميال، فإن اتّفقتا بطلتا[1]. وإن سبقت إحداهما ولو بتكبيرة الإحرام، بطلت المتأخّرة[2].

ولو لم يتحقّق السابقة أعادا ظهراً.

 

[1] إلّاإذا كان الاتّفاق لا عن عمد فتصحّ الجمعة التي لم تسبقها الاخرى فراغاً فإذاكان الفراغ منها في وقت واحد صحّتا معاً.

[2] إذا لم تكن عن عمد فلا تبطل إلّاإذا فُرِغَ من الصلاة الاخرى قبل الفراغ منها وإذا كانت عن عمد ولم تعاصر الصلاة الاولى فلا إشكال في تعيّنها للبطلان وإذا عاصرت شيئاً من أجزاء الصلاة الاولى فهي باطلة، وفي صحّة الاولى إشكال

493

ولو بالتكبير وجب الإتمام، ولو لم يبقَ إلّاواحد.

الثالث- الخطبتان‏

: ويجب في كلّ واحدةٍ منهما[1]: الحمد للَّه، والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام، والوعظ، وقراءة سورة خفيفة، وقيل: يجزي ولو آية واحدة ممّا يتمّ بها فائدتها.

وفي رواية سماعة: يحمد اللَّه ويثني عليه، ثمّ يوصي بتقوى اللَّه، ويقرأ سورة خفيفة من القرآن، ثمّ يجلس، ثمّ يقوم فيحمد اللَّه ويثني عليه ويصلّي على النبيّ وآله وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.

ويجوز إيقاعهما قبل زوال الشمس حتّى إذا فرغ زالت، وقيل: لا يصحّ إلّا بعد الزوال، والأوّل أظهر.

ويجب أن تكون الخطبة مقدَّمةً على الصلاة، فلو بُدِئ بالصلاة لم تصحّ الجمعة. ويجب أن يكون الخطيب قائماً وقت إيراده مع القدرة[2]. ويجب الفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة.

وهل الطهارة شرط فيهما؟ فيه تردّد، والأشبه أ نّها غير شرط[3]. ويجب أن يرفع صوته بحيث يسمع العدد المعتبر فصاعداً، وفيه تردّد[4].

الرابع- الجماعة

: فلا تصحّ فُرادى، وإذا حضر إمام الأصل وجب عليه الحضور والتقدّم. وإن‏

 

[1] على الأحوط في بعض ذلك كالصلاة على النبيّ وآله في الخطبة الاولى وقراءةسورة خفيفة في الخطبة الثانية.

[2] ومع عجز الشخص عن القيام حال الخطبة تشكل إقامة الجمعة بالائتمام به.

[3] الأحوط وجوباً شرطيّتها.

[4] بل الوجوب هو الأقرب.